الوصف
“الموتُ يأتي في اللحظة التي تتوقف فيها عن الإيمان بأنه سيأتِي، يأتِي دون أن تتوقعه، هو ليسَ كالحياةِ ليس بالتأكِيد مثلها، الحياة حِين تأتِي “يتوقعها الجميع”، يحضرون احتفالاً بهيجاً لمقدمها ويفتحون قلوبهم وأيديهم لاستقبالها، أما الموت فالكل ينفرُ منه ومع هذا فإنهم لا يستطيعون أن لا يقبلوا ضيافته، هم أضعف من أن يرفضوه وهو ألطف مِن أن يرحل.
الموتُ في هذه المسرحِية شخصٌ بحد ذاته، يتحدثُ، يمشِي، يضحك، يبكِي ويسخرُ مِن أولئك الذين ينتظرونه أمام البابِ، يدق عليهم ثم يرحل، يدق ثم يرحلُ، يلعب على نفسياتهم المتعبة والمرِيضة بالوهم، يرقب وجوههم وهي تمتلأ باللون الأزرق وأعينهم تجحظ ناظرةً إلى الأفق، يسخر بشدة ويقهقه ثم يرحل إلى أن يشتهِي هو أن يخنقهم.
لا ضمير ميت البتة، لا إنسان مهما بلغت فظاعة جرائمه، ولا يأتيه ضميره ليلاً ليؤنبه أو يعاقبه، فمهما أخرس صوته لأيام وشهور وسنين وعقودَ، سيأتِي سيأتِي، وكلما طال موعد غيابه كلما اشتدت قسوة حضوره، وكلما تفنن في التعذيب أكثر.”
– هاجر بلحاج