الوصف
““ارسم لي خروفا”.. يا لمفارقة العبارة في عيد الأضحى. تبدو الجملة عادية أو بلهاء لمن لم يقرأ أنطوان دي سانت اكزويبري، في “الأمير الصغير”، كتابه الذي تتقاسمه الأسرة، وتحفظه الأجيال، ويختلف فيه النقاد والقراء إلى حد هذه اللحظة. “الأمير الصغير” كتاب لا نمل من قراءته، ذلك أنه يضيف إلى متنه جملة خفية بعد قراءة كل جملة منه، وإن كانت تُخط بقلم الرصاص على حاشية الكتاب، إنه “أمير الكتب وأبهجها” حسب قول أحد النقاد. كتاب طيّار كصاحبه لا يأبه بالمطبات، ولا يحط إلا على أصغر الكواكب وألطفها في تلافيف العقل البشري. كتاب “الأمير الصغير” ينتمي إلى فصيلة الكتب التي “تُميت ولا تموت”.. إنه “خطر على اطمئنانك” كما يقول الناقد التونسي توفيق بكار، ذلك أنه يستنطقك في كل لحظة تأمل أو توجس أو حيرة، يلقي بالأجوبة على شكل أسئلة تتناسل. وكذا تفعل الكتب الكبيرة بالرؤوس الباردة والقلوب الدافئة وعشاق القراءة. إنه “الأمير الصغير” الذي أبى صاحبه إلا أن يحمّله بصماته حتى في الرسومات المرافقة: أمير أشقر الشعر، أصفر اللحية التي يطيرها الهواء، وتلتف على رقبة طفل ليس ككل الأطفال.. إنه أمير يسأل طيارا على سطح صحراء، تمثل كوكبا من الاندهاشات المفزعة. الصحراء تخلو من إشارات المرور، وترحب بكل من أراد السير عكس السير. الصحراء هي النقاء الإنساني الذي ينبغي العودة إليه لأننا انطلقنا منه، وربما، وبسبب ذلك كله، انتهى مؤلف الكتاب بطائرته في أعماق صحراء زرقاء اسمها البحر المتوسط، قائلا على لسان طيار ذي خبرة، بأن أشد حالات الأمان طمأنينة هي حالات الابتعاد عن وهم الطمأنينة.”